فصل: أخبار السلطان جلال الدين منكبرس وهزيمته أمام التتر ثم عوده إلى الهند

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  مسير التتر بعد مهلك خوارزم شاه من العراق إلى أذربيجان

وما وراءها من البلاد هنالك ولما وصل التتر إلى الري في طلب خوارزم شاه محمد بن تكش سنة سبع عشرة وستمائة ولم يجدوه عادوا إلى همذان واكتسحوا ما مروا عليه وأخرج إليهم أهل همذان ما حضرهم من الأموال والثياب والدواب فأمنوهم‏.‏ثم ساروا إلى زنجان ففعلوا كذلك ثم إلى قزوين فامتنعوا منهم فحاصروها وملكوها عنوة واستباحوها ويقال إن القتلى بقزوين زادوا على أربعين ألفاً‏.‏ثم هجم عليهم الشتاء فساروا إلى أذربيجان على شأنهم من القتل والاكتساح وصاحبها يومئذ أزبك بن البهلوان مقيم بتبريز عاكف على لذاته فراسلهم وصانعهم وانصرفوا إلى بوقان ليشتوا بالسواحل‏.‏ومروا إلى بلاد الكرج فجمعوا لقتالهم فهزمهم التتر وأثخنوا فيهم فبعثوا إلى أزبك صاحب أذربيجان وإلى الأشرف بن العادل بن أيوب صاحب خلاط والجزيرة يطلبون اتصال أيديهم على مدافعة التتر‏.‏وانضاف إلى التتر أقوش من موالي أزبك وإليه جموع من التركمان والأكراد‏.‏وسار مع التتر إلى الكرج واكتسحوا بلادهم وانتهوا إلى بلقين‏.‏وسار إليهم الكرج فلقيهم أقوش أولا‏.‏ثم لقيهم التتر فانهزم الكرج وقتل منهم ما لا يحصى وذلك في ذي القعدة من سنة سبع عشرة‏.‏ثم عاد التتر إلى مراغة ومروا بتبريز فصانعهم صاحبها كعادته وانتهوا إلى مراغة فقاتلوها أياماً وبها امرأة تملكها‏.‏ثم ملكوها في صفر سنة ثماني عشرة واستباحوها‏.‏ثم رحلوا عنها إلى مدينة إربل وبها مظفر الدين ‏"‏ ‏"‏ فاستمد الدين صاحب الموصل فأمده بالعساكر‏.‏ثم هم بالخروج لحفظ الدروب على بلاده فجاءت كتب الخليفة الناصر إليهم جميعاً بالمسير إلى دقوقا ليقيموا بها مع عساكره ويدافع عن العراق‏.‏وبعث معهم بشتمر كبير أمرائه وجعل المقدم على الجميع مظفر الدين صاحب إربل فخاموا عن لقاء التتر وخام التتر عن لقائهم وساروا إلى همذان وكان لهم بها شحنة منذ ملكوها أولاً فطالبوا بفرض المال على أهلها‏.‏وكان رئيس همذان شريفاً علوياً قديم الرياسة بها فحضهم على ذلك فضجروا وأساؤوا الرد عليه وأخرجوا الشحنة وقاتلوا التتر وغضب العلوي فتسلل عنهم إلى قلعة بقربها فامتنع وزحف التتر إلى البلد فملكوه عنوة واستباحوه واستلحموا أهله‏.‏ثم عادوا إلى أذربيجان فملكوا أردبيل واستباحوها وخربوها وساروا إلى تبريز وقد فارقها أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان وأران وقصد لقجوان وبعث بأهله وحرمه إلى خوي فراراً من التتر لعجزه وانهماكه فقام بأمر تبريز شمس الدين الطغرائي وجمع أهل البلد واستعد للحصار فأرسل إليه التتر في المصانعة فصانعهم وساروا إلى مدينة سوى فاستباحوها وخربوها وساروا إلى بيلقان فحاصروها وبعثوا إلى أهل البلد رجلا من أكابرهم يقرر معهم في المصانعة والصلح فقتلوه فأسرى التتر في حصارهم وملكوا البلد عنوة في رمضان سنة ثمان عشرة واستلحموا أهلها وأفحشوا في القتل والمثلة حتى بقر البطون على الأجنة واستباحوا جميع الضاحية قتلا ونهباً وتخريباً‏.‏ثم ساروا إلى قاعدة أران وهي كنجة ورأوا امتناعها فطلبوا ولما فرغوا من أعمال أذربيجان وأران ساروا إلى بلاد الكرج وكانوا قد جمعوا لهم واستعدوا ووقعوا في حدود بلادهم فقاتلهم التتر فهزموهم إلى بلقين قاعدة ملكهم فجمعم هنالك ثم خاموا عن لقائهم لما رأوا من أقتحامهم المضائق والجبال فعادوا إلى بلقين واستولى التتر على نواحيها فخربوها كيف شاؤوا ولم يقدروا على التوغل فيها لكثرة الأوعار والدوسرات فعادوا عنها ثم قصدوا درنبد شروان وحاصروا مدينه سماهي وفتكوا في أهلها ووصلوا إلى السور فعالوه بأشلاء القتلى حتى ساموه واقتحموا البلد فأهلكوا كل من فيه‏.‏ثم قصدوا الدرنبد فلم يطيقوا عبوره فأرسلوا إلى شروان في الصلح فبعث إليهم رجالا من أصحابه فقتلوا بعضهم واتخذوا الباقين أذلاء فسلكوا بهم درنبد شروان وخرجوا إلى الأرض الفسيحة وبها أمم القفجاق واللان واللكن وطوائف من الترك مسلمون وكفار فأوقعوا بتلك الطوائف واكتسحوا عامة البسائط وقاتلهم قفجاق واللان ودافعوهم‏.‏ولم يطق التتر مغالبتهم ورجعوا وبعثوا إلى القفجاق وهم واثقون بمسالمتهم فأوقعوا بهم وجر من كان بعيداً منهم إلى بلاد الروس واعتصم آخرون بالجبال والغياض‏.‏واستولى التتر على بلادهم وانتهوا إلى مدينتهم الكبرى سراي على بحر نيطش المتصل بخليج القسطنطينية وهي مادتهم وفيها تجارتهم فملكها التتر وافترق أهلها في الجبال‏.‏وركب بعضهم إلى بلاد الروم في إيالة بني قليج أرسلان‏.‏ثم سار التتر سنة عشر وستمائة من بلاد قفجاق إلى بلاد الروس المجاورة لها وهي بلاد فسيحة وأهلها يدينون بالنصرانية فساروا إلى مدافعتهم في تخوم بلادهم ومعهم جموع من القفجاق سافروا إليهم فاستطرد لهم التتر مراحل‏.‏ثم كروا عليهم وهم غارون فطاردهم القفجاق والروم أياماً‏.‏ثم انهزموا وأثخن التتر فيهم قتلا وسبياً ونهباً‏.‏وركبوا السفن هاربين إلى بلاد المسلمين وتركوا بلادهم فاكتسحها التتر‏.‏ثم عادوا إليها وقصدوا بلغار أواخر السنة واجتمع أهلها وساروا للقائهم بعد أن أكمنوا لهم ثم استطردوا أمامهم وخرج عليهم الكمناء من خلفهم فلم ينج منهم إلا القليل وارتحلوا عائدين إلى جنكزخان بأرض الطالقان ورجع القفجاق إلى بلادهم واستقروا فيها‏.‏والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء‏.‏

  أخبار خراسان بعد مهلك خوارزم شاه

قد كنا قدمنا مهلك خوارزم شاه ومسير هؤلاء التتر المغربة في طلبه ثم انتهائهم بعد مهلكه إلى النواحي التي ذكرناها‏.‏وكان جنكزخان بعد أجفال خوارزم شاه من جيحون وهو بسمرقند قد بعث عسكراً إلى ترمذ فساروا منها إلى كلات من أحصن القلاع إلى جانب جيحون فاستولوا عليها وأوسعوها نهباً وسير عسكراً آخر إلى فرغانة وكذلك عسكراً آخر إلى خوارزم وعسكراً آخر إلى خوزستان فعبر عسكر خراسان إلى بلخ وملكوها على الأمان سنة سبع وستمائة ولم يعرضوا لها بعيث وأنزلوا شحنتهم بها‏.‏ثم ساروا إلى زوزن وايد خوي وفاراب فملكوها وولوا عليها ولم يعرضوا لأهلها بأذى وإنما استنفروهم لقتال البلد معهم‏.‏ثم ساروا إلى الطالقان وهي ولاية متسعة فقصدوا قلعة صور كوه من أمنع بلادها فحاصروها ستة أشهر وامتنعت عليهم فسار إليهم جنكزخان بنفسه وحاصرها أربعة أشهر أخرى حتى إذا رأى امتناعها أمر بنقل الخشب والتراب حتى اجتمع منه تل مشرف على البلد واستيقن أهل البلد الهلكة واجتمعوا وفتحوا الباب وصدقوا الحملة فنجا الخيالة وتفرقوا في الجبال والشعاب وقتل الرجالة ودخل التتر البلد فاستباحوها‏.‏ثم بعث جنكزخان صهره قفجاق قوين إلى خراسان ومرواسا وقاتلوها فامتنعت عليهم وقتل قفجاق قوين فأقاموا على حصارها وملكوها عنوة واستباحوها وخربوها‏.‏ويقال قتل فيها أزيد من سبعين ألفاً وجمع من الجثث عدداً كبيراً فكان كالتلال العظيمة وكان رؤساؤها بني حمزة بخوارزم منذ ملكها خوارزم شاه تكش فعاد إليها اختيار الدين جنكي بن عمر بن حمزة وبنو عمه وضبطوها‏.‏ثم بعث جنكزخان ابنه في العساكر إلى مدينة مرو واستنفر أهل البلاد التي ملكوها من قبل مثل بلخ وأخواتها‏.‏وكان الناجون من هذه الوقائع كلها قد لحقوا بمرو واجتمع بها ما يزيد على مائتي ألف وعسكروا بظاهرها لا يشكون في الغلب‏.‏فلما قاتلهم التتر صابروهم فوجدوا في مصابرتهم ما لم يحتسبوه فولوا منهزمين‏.‏وأثخن التتر فيهم ثم حاصروا البلد خمسة أيام وبعثوا إلى أميرها يستميلونه للنزول عنها فاستأمن إليهم وخرج فأكرموه أولا‏.‏ثم أمروا بإحضار جنده للعرض حتى استكملوا وقبضوا عليهم‏.‏ثم استكتبوا رؤساء البلد وتجاره وصناعه على طبقاتهم‏.‏وخرج أهل البلد جميعاً وجلس لهم جنكزخان على كرسي من ذهب فقتل الجند في صعيد واحد وقسم العامة رجالاً وأطفالاً ونساء بين الجند فاقتسموهم وأخذوا أموالهم‏.‏وامتحنوهم في طلب المال ونبشوا القبور في طلبه‏.‏ثم أحرقوا البلد وتربة السلطان سنجر‏.‏ثم استلحم في اليوم الرابع أهل البلد جميعاً‏.‏يقال كانوا سبعمائة‏.‏ثم ساروا إلى نيسابور وحاصروها خمساً‏.‏ثم اقتحموها عنوة وفعلوا فيها فعلهم في مرو أو أشد‏.‏ثم بعثوا عسكراً إلى طوس وفعلوا فيها مثل ذلك وخربوها وخربوا مشهد علي بن موسى الرضا‏.‏ثم ساروا إلى هراة وهي من أمنع البلاد فحاصروها عشراً وملكوها وأمنوا من بقي من أهلها وأنزلوا عندهم شحنة وساروا لقتال جلال الدين بن خوارزم شاه كما يذكر بعد فوثب أهل هراة على الشحنة وقتلوه‏.‏فلما رجع التتر منهزمين اقتحموا البلد واستباحوه وخربوه وأحرقوه ونهبوا نواحيه أجمع وعادوا إلى جنكزخان بالطالقان وهو يرسل السرايا في نواحي خراسان حتى أتوا عليها تخريباً وكان ذلك كله سنة سبع عشرة وبقيت خراسان خراباً‏.‏وتراجع أهلها بعض الشيء فكانوا فوضى واستبد آخرون في بعض مدنها كما نذكر ذلك في أماكنه والله أعلم‏.‏

  أخبار السلطان جلال الدين منكبرس مع التتر

بعد مهلك خوارزم شاه واستقراره بغزنة ولما توفي السلطان خوارزم شاه محمد بن تكش بجزيرة بحر طبرستان ركب ولده البحر إلى خوارزم يقدمهم كبيرهم جلال الدين منكبرس وقد كان وثب بها بعد منصرف تركمان خاتون أم خوارزم شاه رجل من العيارين فضبطها وأساء السيرة وانطلقت إليها أيدي العيارين‏.‏ووصل بعض نواب الديوان فأشاعوا موت السلطان ففر العيارون‏.‏ثم جاء جلال الدين وآخرته واجتمع الناس إليهم فكانوا معهم سبعة آلاف من العساكر أكثرهم اليارونية قرابة أم خوارزم شاه فمالوا إلى أولاغ شله وكان ابن أختهم كما مر وشاوروا في الوثوب بجلال الدين وخلعه ونمي الخبر إليه فسار إلى خراسان في ثلاثمائة فارس وسلك المفازة إلى بلد نسا فلقي هناك رصداً من التتر فهزمهم ولجأ فلهم إلى نسا وكان بها الأمير اختيار زنكي بن محمد بن عمر بن حمزة قد رجع إليها من خوارزم كما قدمناه وضبطها فاستلحم فل التتر وبلغ‏.‏وبعث إله جلال الدين بالمدد فسار إلى نيسابور‏.‏ثم وصلت عساكر التتر إلى خوارزم بعد ثلاث من مسير جلال الدين فأجفل أولاغ واخوته وساروا في أتباعه ومروا بنسا فسار معه اختيار الدين صاحبها واتبعتهم عساكر التتر فأدركوهم بنواحي خراسان وكبسوهم فقتل أولاغ شاه وأخوه انشاه واستولى التتر على ما كان معهم من الاموال والذخائر وافترقت في أيدي الجند والفلاحين فبيعت بأبخس الأثمان‏.‏ورجع اختيار الدين زنكي إلى نسا فاستبد بها ولم يسم إلى مراسم الملك‏.‏وكتب له جلال الدين بولايتها فراجع أحوال الملك‏.‏ثم بلغ الخبر إلى جلال الدين بزحف التتر إلى نيسابور وأن جنكزخان بالطالقان فسار إلى نيسابور ومن نيسابور إلى بست واتبعه نائب هراة الأمير ملك خان ابن خال السلطان خوارزم شاه في عشرة آلاف فارس هارب أمام التتر وقصد سجستان فامتنعت عليه فرجع واستدعاه جلال الدين فسار إليه واجتمعوا فكبسوا التتر وهم محاصرون قلعة قندهار فاستلحموهم ولم يفلت منهم أحد فرجع جلال الدين إلى غزنة وكانت قد استولى عليها اختيار الدين قربوشت صاحب الغور عندما ساروا إليها وعندما قدم جلال الدين صريخاً عن أمير ملك خان من سجستان فخالفه قربوشت إليها وملكها فثار به صلاح الدين النسائي والي قلعتها وقتله وملك غزنة وكان بها رضا الملك شرف الدين بن أمير ملك خان ففتك به رضا الملك واستبد بغزنة‏.‏فلما ظفر جلال الدين بالتتر على قندهار رجع إلى غزنة فقتله وأوطنها وذلك سنة ثمان عشرة ، ^? قد كنا قدمنا أن جنكزخان بعدما أجفل خوارزم شاه من جيحون بعث عساكره إلى النواحي وبعث إلى مدينة خوارزم عسكراً عظيماً لعظمها لأنها كرسي الملك وموضع العساكر فسارت عساكر التتر إليها مع ابنه جنطاي وأركطاي فحاصروها خمسة أشهر ونصبوا عليها الآلات فامتنعت فاستمدوا عليها جنكزخان فأمدهم بالعساكر متلاحقة فزحكل إليها وملكوا جانباً منها‏.‏وما زالوا يملكونها ناحية ناحية إلى أن استوعبوها ثم فتحوا السد الذي يمنع ماء جيحون عنها فسار إليها جيحون فغرقها‏.‏وانقسم أهلها بين السيف والغرق هكذا قال ابن الأثير‏.‏وقال النسائي الكاتب إن دوشن خان بن جنكزخان عرض عليهم الأمان فخرجوا إليه فقتلهم أجمعين وذلك في محرم سنة سبع عشرة‏.‏ولما فر التتر من خراسان وخوارزم رجعوا إلى ملكهم جنكزخان بالطالقان‏.‏

  خبر أبنايخ نائب بخارى وتغلبه على خراسان ثم فراره أمام التتر إلى الري

كان آبنايخ أمير الأمراء والحجاب أيام خوارزم شاه وولاه ثانياً بخارى فلما ملكها التتر عليه كما قلناه أجفل إلى المفازة وخرج منها إلى نواحي نسا وراسله اختيار الدب صاحبها يعرضها عليه للدخول عنده فأبى فوصله وأمده‏.‏وكان رئيس بشخوان من قرى نسا أبو الفتح فداخل التتر فكتب إلى شحنة خوارزم بمكان آبنايخ فجرد إليهم عسكراً فهزمه آبنايخ وأثخن فيهم وساروا إلى بشخوان فحاصروها وملكوها عنوة وهلك أبو الفتح أيام الحصار‏.‏ثم ارتحل آبنايخ إلى أبيورد وقد تغلب تاج الدين عمر بن مسعود على أبيورد وما بينها وبين مرو فجبى خراجها واجتمع عليه جماعة من أكابر الأمراء وعاد إلى نسا وقد توفي نائبها

  اختيار الدين زنكي وملك بعده ابن عمه

عمدة الدين حمزة بن محمد بن حمزة فطلب منه آبنايخ خراج سنة ثمان عشرة وسار إلى شروان وقد تغلب عليها ايكجي بهلوان فهزمه وانتزعها من يده‏.‏ولحق بهلوان بجلال الدين في الهند واستولى آبنايخ خان على عامة خراسان وكان تكين بن بهلوان متغلباً بمرو فعبر جيحون وكبس شحنة التتر ببخارى فهزموه سنة سبع ورجع إلى شروان وهم باتباعه ولحقوا بآبنايخ خان على جرجان فهزموه ونجا إلى غياث الدين يترشاه بن خوارزم شاه بالري فأقام عنده إلى أن هلك كما نذكر إن شاء الله تعالى‏.‏

  خبر ركن الدين غورشاه صاحب العراق

من ولد خوارزم شاه قد كان تقدم لنا أن السلطان لما قسم ممالكه بين أولاده جعل العراق في قسمة غورشاه منهم‏.‏ولما أجفل السلطان إلى ناحية الري لقيه ابنه غورشاه ثم سار من الري إلى كرمان فملكها تسعة أشهر‏.‏ثم بلغه أن جلال الدين محمد بن أبه القزويني وكان بهمذان أراد أن يملك العراق واجتمع إليه بعض الأمراء وأن مسعود بن صاعد قاضي أصفهان مائل إليه فعاجله ركن الدولة واستولى على أصفهان‏.‏وهرب القاضي إلى أتابك سعد بن زنكي صاحب فارس فأجاره‏.‏وبعث ركن الدين العساكر لقتال همذان فتخاذلوا ورجعوا دون قتال‏.‏ثم مضى إلى الري ووجد بها قوماً من الإسماعيلية يحاولون إظهار دعوتهم‏.‏ثم زحف التتر إلى ركن الدولة فحاصروه بقلعة راوند واقتحموها فقاتلوه واستأمن إليهم ابن أبه صاحب همذان فأمنوه ودخلوا همذان فولوا عليها علاء الدين الشريف الحسيني عوضاً من ابن أبه‏.‏

  خبر غياث الدين يترشاه صاب كرمان

من ولد السلطان خوارزم شاه قد كنا قدمنا أن السلطان خوارزم شاه ولى ابنه غياث الدين يترشاه كرمان وكيش ولم ينفذ إليها أيام أبيه‏.‏ولما كانت الكبسة على قزوين خلص إلى قلعة ماروت من نواحي أصفهان وأقام عند صاحبها‏.‏ثم رجع إلى أصفهان ومر به التتر ذاهبين إلى أذربيجان فحاصروه وامتنع عليهم وأقام بها إلى آخر سنة عشرين وستمائة فلما جاء أخوه ركن الدين غورشاه من كرمان إلى أصفهان لقيه هنالك‏.‏وحرضه غياث الدين على كرمان فنهض إليها وملكها فلما قتل ركن الدين كما قلناه سار غياث الدين إلى العراق وكان ركن لما ولاه أبوه العراق جعل معه الأمير بقاطابستي أتابكا فاستبد عليه فشكاه إلى أبيه وأذن له في حبسه فحبسه ركن الدين بقلعة سرجهان‏.‏فلما قتل ركن الدين كما قلناه أطلقه نائب القلعة أسد الدين حولي فاجتمع عليه الناس وكثير من الأمراء واستماله غياث الدين وأصهر إليه بأخته وماطله في الزفاف يستبرئ ذهاب الوحشة بينهما‏.‏وكانت أصفهان بعد مقتل ركن الدين غلب عليها أزبك خان واجتمعت عليه العساكر وزحف إليه الأمير بقاطابستي فاستنجد أزبك غياث الدين فأنجده بعسكر مع الأمير دولة ملك وعاجله بقاطابستي فهزمه بظاهر أصفهان وقتله وملكها‏.‏ورجع دولة ملك إلى غياث الدين فزحف غياث الدين إلى أصفهان وأطاعه القاضي والرئيس صدر الدين وبادر بقاطابستي إلى طاعته ورضي عنه غياث الدين وزف إليه أخته‏.‏واستولى غياث الدين على العراق ومازندران وخراسان وأقطع مازندران وأعمالها دولة ملك وبقاطابستي همذان وأعمالها‏.‏ثم زحف غياث الدين إلى أذربيجان وشن الغارة على مراغة وترددت رسل صاحب أذربيجان أزبك بن البهلوان في المهادنة فهادنه وتزوج بأخته صاحب بقجوان وقويت شوكته وعظم فكان بقاطابستي في دولته وتحكم فيها‏.‏ثم حدثته نفسه بالاستبداد وانتقض وقصد أذربيجان وبها مملوكان منتقضان على أزبك بن البهلوان فاجتمعا معه وزحف إليهم غياث الدين فهزمهم ورجعوا مغلوبين إلى أذربيجان ويقال إن الخليفة دس بذلك إلى بقاطابستي وأغراه بالخلاف على غياث الدين‏.‏ثم لحق بغياث الدين آبنايج خان نائب بخارى مفلتاً من واقعته مع التتر بجرجان فأكرمه وقدمه ونافسه خال السلطان دولة ملك وأخوه وسعوا إليها فزجرهما عنه فذهبا مغاضبين‏.‏ووقع دولة ملك في عساكر التتر بمرو وزنجان فقتل وهرب ابنه بركة خان إلى أزبك بأذربيجان ثم أوقع عساكر التتر بقاطابستي وهزموه ونجا إلى الكرم‏.‏وخلص الفل إلى غياث الدين وعاد التتر إلى ما وراء جيجون‏.‏ثم تذكر ‏"‏ ‏"‏ صاحب فارس سعد الدين بن زنكي وكاتبته أهل أصفهان حين كانوا منهزمين فسار إليه وحاصره في قلعة اصطخر وملكها‏.‏ثم سار إلى شيراز وملكها عليه عنوة‏.‏ثم سار إلى قلعة حرة فحاصرها حتى استأمنوا وتوفي عليها آبنايج خان ودفن هنالك بشعب سلمان وبعث عسكراً إلى كازرون فملكها عنوة واستباحها‏.‏ثم سار إلى ناحية بغداد‏.‏وجمع الناس الجوع من إربل وبلاد الجزيرة‏.‏ثم راسل غياث الدين في الصلح فصالحه ورجع إلى العراق‏.‏

  أخبار السلطان جلال الدين منكبرس وهزيمته أمام التتر ثم عوده إلى الهند

قد كان تقدم لنا أن أباه خوارزم شاه لما قسم البلاد بين ولديه جعل في قسمه غزنة وباميان والغور وبست وهيكاباد وما يليها من الهند واستناب عليها أمير ملك وأنزله غزنة فلما انهزم السلطان خوارزم شاه أمام التتر زحف إليه حربوشة وإلي الغور فملكها من يده وكان من أمره ما قدمناه إلى أن استقر بها رضا الملك شرف الدين‏.‏ولما أجفل السلطان جلال الدين من نيسابور إلى غزنة واستولى التتر على بلاد خراسان وهرب أمراؤها فلحقوا بجلال الدين فقتل نائب هراة أمين الملك خال السلطان‏.‏وقد قدمنا محاصرته بسجستان ثم مراجعته طاعة السلطان جلال الدين ولحق به أيضاً سيف الدين بقراق الخلخي وأعظم ملك من بلخ ومظهر ملك والحسن فزحف كل منهم في ثلاثين ألفاً ومع جلال الدين من عسكره مثلها فاجتمعوا وكبسوا التتر المملوكة محاصرين قلعة قندهار كما قلنا واستلحموهم ولحق فلهم بجنكزخان فبعث ابنه طولي خان في العساكر فساروا إلى جلال الدين فلقيهم بشروان وهزمهم وقتل طولي خان بن جنكز في المعركة وذهب التتر منهزمين‏.‏واختلف عسكر السلطان جلال الدين على الغنائم وتنازع سيف الدين بقراق مع أمين الملك نائب هراة وتحيز إلى العراق وأعظم ملك ومظفر ملك وقاتلوا أمين الملك فقتل أخ لبقراق وانصرف مغاضباً إلى الهند وتبعه أصحابه ولاطفهم جلال الدين ووعظهم فلم يرجعوا‏.‏وبلغ خبر الهزيمة إلى جنكزخان فسار في أمم التتر وسار جلال الدين فلقي مقدمة عساكره فلم يفلت من التتر إلا القليل‏.‏ورجع فنزل على نهر السند وبعث بالصريخ إلى الأمراء المنحرفين عنه وعاجله جنكزخان قبل رجوعه فهزمه بعد القتال والمصابرة ثلاثاً وقتل أمين الملك قريب أبيه ، ^? واعترض المنهزمين نهر السند فغرق أكثرهم وأسر ابن جلال الدين فقتل وهو ابن سبع سنين ولما وقف جلال الدين على النهر والتتر في اتباعه فقتل أهله وحرمه جميعاً واقتحم النهر بفرسه فخلص إلى عدوته وتخلص من عسكره ثلاثمائة فارس وأربعة آلاف راجل وبعض أمرائه ولقوه بعد ثلاث‏.‏وتخلص بعض خواصه بمركب مشحون بالأقوات والملابس فسد من حاجتهم وتحصن أعظم ملك ببعض القلاع‏.‏وحاصره جنكزخان وملكها عنوة وقتله ومن معه‏.‏ثم عاد التتر إلى غزنة فملكوها واستباحوها وأحرقوها وخربوها واكتسحوا سائر نواحيها وكان ذلك كله سنة تسع عشرة‏.‏ولما سمع صاحب جبل جردى من بلاد الهند بجلال الدين جمع للقائه وخام جلال الدين وأصحابه عن اللقاء لما نهكتهم الحرب فرجعوا أدراجهم وأدركهم صاحب جلال الدين صوري فقاتلهم وهزموه وملكوا أمرهم وبعث إليهم نائب ملك الهند فلاطفهم وهاداهم والله تعالى ولي التوفيق‏.‏

  أخبار جلال الدين بالهند كمان جماعة من أصحاب جلال الدين وأهل عسكره

لما عبروا إليهم حصلوا عند قباجة ملك الهند منهم بنت أمين الملك خلصت إلى مدينة أرجاء من عمله ومنهم شمس الملك وزير جلال الدين حياة أبيه ومنهم قزل خان بن أمين الملك خلص إلى مدينة كلور فقتله عاملها وقتل قباجة شمس الملك الوزير لخبر جلال الدين بأموره وبعث أمين الملك‏.‏ولحق بجلال الدين جماعة من أمراء أخيه غياث الدين فقوي بهم وحاصر مدينة كلور وافتتحها وافتتح مدينة ترنوخ كذلك فجمع قباجة للقائه وسار إليه جلال الدين فخام عن اللقاء وهرب وترك معسكره فغنمه جلال الدين بما فيه وسار إلى لهاوون وفيها ابن قباجة ممتنعاً عليه فصالحه على مال يحمله ورحل إلى تشتشان وبها فخر الدين السلاوي نائب قباجة فتلقاه بالطاعة‏.‏ثم سار إلى أوجا وحاصرها فصالحوه على المال‏.‏ثم سار إلى جانس وهي لشمس الدين اليتمشي من ملوك الهند ومن موالي شهاب الدين الغوري فأطاعه أهلها وأقام بها وزحف إليه ايتش في ثلاثين ألف فارس ومائة ألف راجل وثلاثمائة فيل‏.‏وزحف جلال الدين في عساكره وفي مقدمته جرجان بهلوان أزبك واختلفت المقدمتان فلم يمكن اللقاء‏.‏وبعث ايتش في الصلح فجنح إليه جلال الدين ثم اجتمع قباجة وايتش وسائر ملوك الهند فخام عن لقائهم ورجع لطلب العراق واستخلف جهان بهلوان الملك على ما ملك من الهند وعبر النهر إلى غزنة فولى عليها وعلى الغور الأمير وفاملك واسمه الحسن فزلف وسار إلى العراق وذلك سنة إحدى وعشرين بعد مقدمه لها بسنتين‏.‏

  أحوال العراق وخراسان في إيالة غياث الدين

كان غياث الدين بعد مسير جلال الدين إلى الهند اجتمع إليه شراد العساكر بكرمان وسار بهم إلى العراق فملك خراسان ومازندران كما تقدم وأقام منهمكاً في لذاته‏.‏واستبد الأمراء بالنواحي فاستولى قائم الدين على نيسابور وتغلب يقز بن أيلجي بهلوان على شروان وتملك ينال خطا بهاتر ونظام اسفراين ونصرة الدين بن محمد مستبد بنسا كما مر واستولى تاج الدين عمر بن مسعود التركماني على أبيورد وغياث الدين مع ذلك منهمك في لذاته‏.‏وسارت إليه عساكر التتر فخرج لهم عن العراق إلى بلاد الجبل واكتسحوا سائر جهاته‏.‏واشتط عليه الجند وزادهم في الإقطاع والإحسان فلم يشبعهم وأظهروا الفساد وعاثوا في الرعايا‏.‏وتحكمت أم السلطان غياث الدين في الدولة لإغفاله أمرها واقتفت طريقة تركمان خاتون أم السلطان خوارزم شاه وتلقبت بلقبها خداوندجهان إلى أن جاء السلطان جلال الدين فغلب عليه كما قلناه‏.‏

  وصول جلال الدين من الهند إلى كرمان وأخباره بفارس والعراق

مع أخيه غياث الدين ولما فارق جلال الدين الهند كما قلناه سنة إحدى وعشرين وسار إلى المفازة وخلص منها إلى كرمان بعد أن لقي بها من المتاعب والمشاق ما لا يعبر عنه وخرج معه أربعة آلاف راكب على الحمير والبقر ووجد بكرمان براق الحاجب نائب أخيه غياث الدين‏.‏وكان من خبر براق هذا أنه كان حاجبا لكوخان ملك الخطا وسفر عنه إلى خوارزم شاه فأقام عنده‏.‏ثم ظفر خوارزم شاه بالخطا وولاه حجابته‏.‏ثم صار إلى خدمة ابنه غياث الدين ترشه بمكران فأكرمه‏.‏ولما سار جلال الدين إلى القند ورجع عنه التتر سار غياث الدين لطلب العراق فاستناب براق في كرمان فلما جاء جلال الدين من الهند اتهمه وهم بالقبض عليه فنهاه عن ذلك وزيره شرف الملك فخر الدين علي بن أبي القاسم الجندي خواجها جهان أن يستوحش الناس لذلك‏.‏ثم سار جلال الدين إلى شيراز وأطاعه صاحبها برد الأتابك وأهدى له وكان أتابك فارس سعد بن زنكي قد استوحش من غياث الدين فاصطلحه جلال الدين وأصهر إليه في ابنته‏.‏ثم سار إلى أصفهان فأطاعه القاضي ركن الدين مسعود بن صاعد وبلغ خبره إلى أخيه غياث الدين وهو بالري فجمع لحربه وبعث جلال الدين يستعطفه‏.‏وأهدى له سلب طولي خان بن جنكزخان الذي قتل في حرب بزوان كما مر وفرسه وسيفه ودس إلى الأمراء الذين معه بالاستمالة فمالوا إليه ووعدوه بالمظاهرة ونمي الخبر إلى غياث الدين فقبض على بعضهم ولحق الآخرون بجلال الدين فجاءوا به إلى المخيم فمال إليه أصحاب غياث الدين وعساكره واستولى على مخيمه وذخائره وأمه‏.‏ولحق غياث الدين بقلعة سلوقان وعاتب جلال الدين أمه في فراره فاستدعته وأصلحت بينهما ووقف غياث الدين موقف الخدمة لأخيه السلطان جلال الدين وجاء المتغلبون بخراسان والعراق وأذعنوا إلى الطاعة وكانوا من قبل مستبدين على غياث الدين فاختبر السلطان طاعتهم وعمل فيها على شاكلتها والله أعلم‏.‏